د. اسكندر لوقا
من الأمراض المزمنة في تاريخ البشرية, ما يمكننا تسميته بـ(مرض الأنا). قد يكون وقع هذا القول على أذن البعض منا غريبا, ولكنه, مع ذلك, يشكل خطرا على المصاب به قبل سواه. حين يختار المرء هذا المرض, بملء إرادته, يهاجم به نفسه كما يهاجمه عدو وهو في عقر داره ولا يستطيع الحراك أمامه دفاعا عن النفس.
إن مرض الـ (أنا), أصبح كابوسا حقيقيا في حياتنا, وخصوصا عندما تضخم وتخطى المعقول والمنطق, في سياق التعامل بين أفراد بعض شرائح المجتمع المختلفة لسبب أو لآخر. إن المصاب به لابد أن ينقلب, مع مرور الوقت, وفي معظم الحالات, إلى إنسان فوقي, بكل معنى الكلمة.
ومعلوم, هنا, أنه عندما يتعالى الإنسان على الإنسان في الآخرين, فإنه لا يتوقف عن الشعور بأنه خلق ليكون سيداً, بل سيدا فقط من دون أن يقيم وزنا لمن هم حوله, وبالتالي يفرض عليهم واقع القبول به سيدا, غير قابل للتبديل أو التغيير, كأنه القدر.
ولهذا المرض دوره البالغ في تشويه الأشياء الجميلة في الحياة إذا هو أصاب الفنان على سبيل المثال, وذلك لإمكانية تنامي الشعور لديه بأنه البداية والنهاية في تاريخ الفن. كذلك إذا هو أصاب أديبا تنامى الشعور لديه بأنه البداية والنهاية في عالم الأدب.
وتنطبق هذه المعادلة على العالم, كما يمكن أن تنطبق حتى على الحرفي البسيط. ومن هنا خطر ال¯ (أنا) عندما تصاب بالمرض الذي يحمل اسمها, منذ القدم.
والمرض, أي مرض كان, إذ يبدأ من الذات أولا كما نعلم, قد ينتقل من الذات إلى الغير بفعل العدوى أو عن طريق التقليد في أحيان كثيرة. ومن الأمراض الأكثر احتمالا لقبول التقليد هو هذا المرض بالذات. ولهذا فإن الإصابة به, على مستوى الفرد بداية, قد يكون سببا في اتساع رقعته عبر محاولات التقليد أو المحاكاة من قبل الغير.
وعندئذ, بطبيعة الحال, فإن التصادم قد يكون عنوان الساعين إلى إثبات الوجود, في البيئة الواحدة, على حساب الآخر, لسبب من الأسباب التي قد تتطلب, وفقا لقناعة المصاب بالمرض المذكور ظهوره في ساحة المنافسة على الموقع في بيئته, بغض النظر عن النتيجة مهما كانت إذا اقتضى الأمر. وبذلك يكون الانهيار, وتظهر أمراض أخرى على السطح, قد تكون أكثر خطرا على المجتمع وأهله, كمرض الانتهازية واستغلال المنصب وما إلى ذلك من أمراض شاعت وتشيع في المجتمعات في عصرنا الحالي, وذلك بسبب انتفاء فكرة الحق والعدالة والمساواة وما إلى ذلك من قيم إنسانية كادت تختفي ملامحها من على سطح كرتنا الأرضية, لاعتبارات عديدة, بينها تغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة, وتخطي متطلبات التآخي بين أصحاب القضية الواحدة, أو حتى الأرض الواحدة.
من هنا جاءت الدعوة لإعادة النظر في القيم العليا وغرسها في أعماق نفوس الناشئة من أبناء الوطن, أينما كان موقعه, ومتى كان زمانه, وصولا إلى ما نسميه بالتواضع. والتواضع, كما التكبر, مظهر إنساني يمكننا تلمسه باليد أو رؤيته بالعين المجردة. وعندما نقوم بعملية الفرز بين التواضع والتكبر فإن غالبيتنا, كما نقدر, ننحاز, عفويا, إلى جانب الأكثر تواضعا من سواه. هذه حقيقة إنسانية في نهاية المطاف. ولهذا يمكننا استذكار قول القائل ذات مرة (لا يتواضع إلا كل رفيع). فأي قول ترى ينطبق على الصنف الآخر من الناس?